كيف نستفيد من قوة الذكاء الاصطناعي دون أن نفقد روح الصحافة ذاتها؟

سؤال يفرض نفسه بقوة في لحظة فارقة من تاريخ الإعلام، حيث يقف الصحفيون أمام معادلة صعبة بين مواكبة التطور التكنولوجي السريع والحفاظ على القيم المهنية التي قامت عليها المهنة.

من الترجمة الفورية إلى التحقق من الحقائق، ومن التحرير إلى إنتاج الفيديوهات الإخبارية، غيّر الذكاء الاصطناعي ملامح الصحافة الحديثة. لكنه في الوقت نفسه، فتح الباب لمخاطر جديدة تمسّ المصداقية، وحقوق الملكية، والتعددية الإعلامية.

وفقًا لتقرير الاتحاد الأوروبي للصحفيين (EFJ) الصادر في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٥، فإن العالم الإعلامي “يقف اليوم على مفترق طرق: إمّا أن يمكّن الذكاء الاصطناعي الصحفيين، أو أن يقوّض أسس حرية الصحافة ذاتها.”

وفي ظل هذا التحول، يدعو التقرير إلى تبنّي رؤية متوازنة تجمع بين الابتكار والمسؤولية، وتستند إلى عشر ركائز رئيسية يمكن أن تشكّل أساسًا لأي نقاش عربي حول أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام:

  1. الرقابة البشرية ضرورة لا خيار
    يبقى الإنسان في قلب العملية الصحفية. فكل محتوى يُنتج بواسطة الذكاء الاصطناعي يجب أن يخضع لمراجعة بشرية دقيقة، منعًا لنشر أخبار مضللة أو منحازة. التكنولوجيا تساعد، لكنها لا تحكم.
  2. موافقة الصحفيين على استخدام أعمالهم
    يجب أن تُستخدم أعمال الصحفيين في تدريب الأنظمة الذكية بموافقتهم الصريحة، مع ضمان نسب العمل لهم وتعويضهم العادل. فالمحتوى الصحفي ليس مادة مجانية لتغذية الخوارزميات.
  3. الشفافية مع الجمهور
    من حق الجمهور أن يعرف متى يكون المحتوى مولّدًا أو مدعومًا بالذكاء الاصطناعي. الشفافية ليست رفاهية، بل شرط لبناء الثقة في زمن “الديب فيك” والمعلومات المزيفة.
  4. العدالة في الوصول إلى التكنولوجيا
    لا ينبغي أن تُحصر أدوات الذكاء الاصطناعي في أيدي المؤسسات الكبرى فقط. الصحفيون المحليون والمستقلون بحاجة إلى الدعم نفسه كي لا تتسع الفجوة الرقمية داخل المهنة.
  5. احترام حقوق المؤلفين
    يجب أن تخضع المواد المستخدمة في تدريب الأنظمة لترخيص واضح يحمي حقوق المبدعين، ويمنع انتهاك الملكية الفكرية. الذكاء الاصطناعي لا يبرر السرقة الرقمية.
  6. ترسيخ الأخلاق المهنية
    استخدام الذكاء الاصطناعي في الصحافة يجب أن يلتزم بالقيم الجوهرية: الصدق، النزاهة، المساءلة، وحماية المصادر. التقنية بلا ضمير يمكن أن تتحول إلى سلاح ضد الحقيقة.
  7. بناء حوار دائم بين الصحفيين والمطورين
    ينبغي إنشاء قنوات تواصل دائمة بين غرف الأخبار وشركات التكنولوجيا لوضع معايير أخلاقية لتطوير الأدوات الذكية. فمستقبل الإعلام لا يُرسم في المختبرات فقط، بل في النقاش العام حول القيم.
  8. حماية التعددية الإعلامية
    عندما تُدرَّب الخوارزميات على مصادر محدودة، يضيق نطاق السرد الإعلامي وتختفي الأصوات المستقلة. تنويع البيانات وضمان الشمولية ضرورة لحماية التنوّع في وجه التمركز التقني.
  9. الاستثمار في التحقق من المعلومات
    في الوقت الذي تولّد فيه الخوارزميات النصوص بسرعة هائلة، يجب أن تُستثمر الموارد في بناء أدوات مضادة للتضليل وكشف “الديب فيك”، حمايةً لجوهر المهنة.
  10. تشريعات تحمي الصحافة في العصر الذكي
    دعت EFJ إلى قوانين أوروبية تنظّم العلاقة بين الإعلام والذكاء الاصطناعي. وفي العالم العربي، نحن بحاجة ماسة إلى تشريعات مماثلة، توازن بين حرية الابتكار وحقوق الصحفيين والجمهور والملكية الفكرية.

معركة القيم في زمن الخوارزميات

ليست هذه معركة ضد الذكاء الاصطناعي، كما تقول رئيسة الاتحاد الأوروبي للصحفيين مايا سيف، بل معركة من أجل صحافة أخلاقية. فالذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة للتمكين أو وسيلة للإضعاف، بحسب الطريقة التي يُستخدم بها.

إنها لحظة تاريخية تتطلب من الصحفيين، والمؤسسات، والمشرّعين في منطقتنا، أن يضعوا القيم المهنية في مقدّمة كل ابتكار. التكنولوجيا قادرة على تطوير الصحافة، لكنها لا يمكن لنا أن نسمح بأن تقصي الصحفيين.

صحافة الخوارزميات ليست إعلامًا